أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 31 يناير : الحال أبلغ من المقال ، الدكتور محروس حفظي

بتاريخ 1 شعبان 1446هـ ، الموافق 31 يناير 2025م

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 31 يناير 2025 م بعنوان : الحال أبلغ من المقال ، الدكتور محروس حفظي بتاريخ 1 شعبان 1446هـ ، الموافق 31 يناير 2025م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 يناير 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الحال أبلغ من المقال.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 يناير 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الحال أبلغ من المقال ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 يناير 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الحال أبلغ من المقال ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 31 يناير 2025 م بعنوان : الحال أبلغ من المقال ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) أثرُ صلاحِ الحالِ في إصلاحِ الخلقِ.

(2) حالُ النبيِّ ﷺ أبلغُ مِن ألفِ مقالٍ.

(3) ما أحوجَ شبابُنَا في هذا العصرِ إلى القدوةِ العمليةِ.

(4) التسامحُ مقصدٌ عظيمٌ ما أحوجنَا إليهِ في هذا العصرِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 31 يناير 2025 بعنوان: الحال أبلغ من المقال ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

خطبة بعنوان: «الحالُ أبلغُ مِن المقالِ»

بتاريخ 1 شعبان 1446 هـ = الموافق 31 يناير 2025 م

 

الحمدُ للهِ حمداً يوافِي نعمَهُ، ويكافىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 31 يناير : الحال أبلغ من المقال الدكتور محروس حفظي

(1) أثرُ صلاحِ الحالِ في إصلاحِ الخلقِ:

إنَّ الحالَ أبلغُ – دائماً- مِن الكلامِ حيثُ يكونُ مردودُهُ أوقع وأقوى في النفوسِ حيثُ يرَى فيهَا الناسُ واقعًا معاشًا للمبادئِ التي يدعُو إليهَا؛ فالقولُ فيهَا صنوُ العملِ، لذا يجبُ على المربِي أنْ يكونَ ملتزمًا لجميعِ ما يأمرهُم به، ومتجنبًا لجميعِ ما ينهاهُم عنه، وإلّا كان القومُ في شكٍّ مِن دعوتِه، ولم يكن لدعوتِهِ أثرٌ فعالٌ في نفوسِهِم، ولا أثرَ تطبيقِي في سلوكِهِم، ومِن أجلِ ذلك قالَ النبيُّ شعيبٌ – عليه السلام- فيما حكاهُ اللهُ عنهُ: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾، فالقدوةُ الطيبةُ، والأخلاقُ الزاكيةُ، يكونُ بهَا المسلمُ أنموذجًا يقرأُ فيهِ الناسُ معاني الِإسلامِ فيقبلونَ عليها، وينجذبون إليها؛ لأنَّ التأثرَ بالأفعالِ والسلوكِ أبلغُ وأكثرُ مِن التأثرِ بالكلامِ وحدَهُ؛ وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنِ النَّاسِ سَلَفًا وَخَلَفًا مِمَّا عُدَّ مَعْلُومًا مِنَ التَّجَارِبِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْقُدْوَةَ تُؤَثِّرُ تَأْثِيرًا كَبِيرًا فِي الْأُمَمِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَلِذَا قِيلَ قَدِيمًا: “حَالُ رَجُلٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ أَلْفِ رَجُلٍ فِي رَجُلٍ”، وَقِيلَ: “عَمَلُ رَجُلٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِ أَلْفِ رَجُلٍ فِي رَجُلٍ”.

إنّ الِإسلامَ انتشرَ في كثيرٍ مِن بلادِ الدنيا بالقدوةِ الحسنةِ للمسلمين التي كانت تبهرُ أنظارَ غير المسلمين، وتحملُهُم على اعتناقِ الِإسلامِ، فحسنُ الحالِ دعوةٌ عمليةٌ يستدلُّ بهَا سليمُ الفطرةِ، راجحُ العقلِ على أنَّ الِإسلامَ حقٌّ مِن عندِ اللهِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» (ابن ماجه)، فتأملْ كيف استدلَّ عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ- رضي الله عنه- بسَمْتِ سيدِنَا النبيِّ ﷺ، ووجهِهِ المنيرِ الكريمِ الذي يكونُ عليهِ أهلُ الصدقِ والأخلاقِ الكريمةِ، استدلَّ بذلك على صدقِه فيمَا يدعو إليهِ ﷺ.

لا خلافَ أنَّ مستوياتِ فهمِ الكلامِ عندَ الخلقِ تتفاوتُ، ولكن يتساوونَ أمامَ الرؤيةِ بالعينِ المجردةِ لمثالٍ حيٍّ، فإنَّ ذلك أيسرُ في إيصالِ المعانِي التي يريدُ الإنسانُ إيصالَهَا للمقتدِى، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ ﷺ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ» فَنَبَذَهُ، وَقَالَ: «إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا»، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ»؛ قال ابنّ حجرٍ: (فدلَّ ذلك على أنَّ الفعلَ أبلغُ مِن القولِ) أ.ه.

يقولُ الإمامُ الرافعيُّ: (لو أقام الناسُ عشرَ سنين يتناظرون في معاني الفضائلِ ووسائلِهَا، ووضعوا في ذلكَ مائةَ كتابٍ، ثم رَأوا رجلًا فاضلًا بأصدقِ معاني الفضيلةِ، وخالطوهُ وصحِبوهُ لكان الرجلُ وحدَهُ أكبرَ فائدةٍ مِن تلك المناظرةِ، وأجدَى على الناسِ منهَا، وأدلَّ على الفضيلةِ مِن مائةِ كتابٍ، ومِن ألفِ كتابٍ، ولهذا يرسلُ اللهُ النبيَّ مع كلِّ كتابٍ مُنزلٍ؛ ليعطي الكلمةَ قوةَ وجودِهَا، ويُخرجُ الحالةَ النفسيةَ مِن المعنَى المعقولِ، وينشئُ الفضائلَ الإنسانيةَ بصورةٍ واقعيةٍ) أ.ه.

وَتَقْدِيرًا لِأَهَمِّيَّةِ الْقُدْوَةِ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّنَاﷺ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِالْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِهِ قَالَ اللَّهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾، وَالْأَنْبِيَاءِ – عليهم السلام- أَعْظَمُ الْقُدْوَاتِ؛ فَهُمْ صَفْوَةُ الْبَشَرِ وَخِيَارُهُمْ فِي هُدَاهُمْ، وَأَعْمَالِهِمُ الْعَظِيمَةِ؛ إِذْ حَمَلُوا مُهِمَّةَ إِصْلَاحِ النَّاسِ مَعَ اتِّصَافِهِمْ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَبَذَلُوا جُهُودًا عَظِيمَةً لِتَصْحِيحِ مَسَارِ الْبَشَرِيَّةِ بَعْدَ انْحِرَافِهَا.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 31 يناير : الحال أبلغ من المقال الدكتور محروس حفظي

(2) حالُ النبيِّ ﷺ أبلغُ مِن ألفٍ مقالٍ:

أعظمُ مَن حققَ بجمالِ حالِهِ، وعظيمِ أخلاقِهِ قبلَ أقوالِهِ- صاحبُ الخلقِ الأكملِ، والمنهجِ الأعظمِ- سيدُنَا مُحمدٌ ﷺ، قالَ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾، ومِن بليغِ هذه الآيةِ أنَّ اللهَ جعلَ الأسوةَ في سيدِنَا ﷺ، ولم يحصرهُ في وصفٍ خاصٍ مِن أوصافِهِ أو خُلقٍ مِن أخلاقِهِ، وما ذلك إلّا مِن أجلِ أنْ يشملَ الاقتداءُ سيرتَهُ كلَّهَا فيقتدَي بهِ ﷺ، بامتثالِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهيهِ، ويقتدَي بأفعالِهِ وسلوكِهِ مِن الصبرِ والشجاعةِ والثباتِ والأدبِ.

وَالْمُتَأَمِّلُ فِي سِيرَةِ الرسول ﷺ يَجِدُ تَنَوُّعَ جَوَانِبِ الْقُدْوَةِ فِي حَيَاتِهِ الْمُبَارَكَةِ، مِمَّا أَثَّرَ فِي أَصْحَابِهِ وَأَنْتَجَ جِيلًا فَرِيدًا مُبَارَكًا، تَحَرَّكَ شَرْقًا وَغَرْبًا، يَحْمِلُ مَشَاعِلَ الْهِدَايَةِ وَالْخَيْرِ لِلنَّاسِ، دَعْوَةً وَإِرْشَادًا وَتَوْجِيهًا وَتَعْلِيمًا، وَرَحْمَةً وَدَلَالَةً عَلَى جَوَانِبِ الْخَيْرِ، وَلِذَا لَمَّا سُئِلَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ النبيِّ ﷺ قَالَتْ: “كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ” (أَحْمَدَ)، كَانَ يَمْتَثِلُ لِلْقُرْآنِ عَقِيدَةً وَشَرِيعَةً، وَمَنْهَجًا لِلْحَيَاةِ، فَهُوَ خَيْرُ قُدْوَةٍ، وتأمل ما حصل في غزوة الحديبية، لَمَّا فَرَغَ ﷺ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: “قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا”، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا”(البخاري)، فهذا المثالُ يدلُّكَ على أهميةِ القدوةِ الحسنةِ، وكيفَ أنَّ لهَا أعظمَ الأثرِ في الاستقامةِ وسلوكِ طريقِ الجادةِ.

وَكَانَ ﷺ قُدْوَةً فِي كُلِّ جَوَانِبِ الْخَيْرِ، فَفِي الْكَرَمِ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، وَقَدْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: “يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ” (مُسْلِمٌ)، ومَن يقلبُ سيرتَهُ ﷺ يجدُ فيهَا الكثيرَ مِن القدوةِ التي نحتاجُهَا اليوم في حياتِنَا، وقد أخذهَا الغيرُ وطبقَهَا، فكان كما ترى مِن التقدمِ والازدهارِ والرقيِ، فانظرْ كيف كان ﷺ يقومُ بخدمةِ أهلِ بيتِه، سُئِلت عَائِشَةُ: «هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ» (ابن حبان)، وكان ﷺ ينتهجُ السترَ في الموعظةِ مع مَن ارتكبَ معصيةً ما حتى لا يُشهرُ بالشخصِ، فيؤثرُ نفسياً عليه، بل ربَّمَا قادَهُ ذلكَ إلى الانتقامِ مِمّن فعلَ ذلك إو إلحاقِ الأذَى بنفسِهِ، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ َ فِي أَمْرٍ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ، فَغَضِبَ حَتَّى بَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ، فَوَاللهِ لَأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً» (مسلم).

لقد كان ﷺ قدوةً عمليةً للمسلمين، فما نهَى عن شيءٍ إلّا كان أبعدَ الناسِ عنهُ، وما أمَر بشيءٍ إلّا وكانَ أسرعَ الناسِ إلى القيامِ بهِ، لذلك أَسَرَ القلوبَ بلحظِهِ قبلَ لفظِهِ، وهذا الْجُلَنْدِيُّ مَلِكُ عَمَّانَ – يشهدُ بذلكَ – لمَّا بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ الْجُلَنْديُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ دَلَّنِي عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ أَنَّهُ: «لَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ إلَّا كَانَ أَوَّلَ آخِذٍ بِهِ وَلَا ينهى عن شئ إلَّا كَانَ أَوَّلَ تَاركٍ لَهُ وَأنَّهُ يَغْلِبُ فَلَا يَبْطَرُ وَيُغْلَبُ فَلَا يَضْجَرُ وَيَفِي بِالْعَهْدِ وَيُنْجِزُ الْمَوْعُودَ وَأَشْهَدُ أنَّهُ نَبِي» (الشفا بتعريف حقوق المصطفى)، فما أحوجنَا إلى أنْ نتمثلَ هديَهُ ﷺ في تعاملِنَا مع أولادِنَا وأزواجِنَا وأحبابِنَا وجميعِ مَن نعايشُهُم ونخالطُهُم، يقولُ الباحثُ الفرنسيُّ «كليمان هوارت»: «لم يكنْ مُحمداً نبياً عادياً، بل استحقَّ بجدارةٍ أنْ يكونَ خاتمَ الأنبياءِ؛ لأنّهُ قابلَ كلَّ الصعابِ التي قابلت كلَّ الأنبياءِ الذين سبقوهُ مضاعفةً مِن بنِي قومِهِ، ولو أنَّ المسلمينَ اتخذُوا رسولَهُم قدوةً في نشرِ الدعوةِ لأصبحَ العالمُ مسلماً» أ.ه.

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 31 يناير : الحال أبلغ من المقال الدكتور محروس حفظي

(3) ما أحوجَ شبابُنَا في هذا العصرِ إلى القدوةِ العمليةِ:

 كُلٌّ يريدُ أنْ يُخرِجَ جِيلاً قَويًّا، جِيلاً يكونُ شَامَةً فِي جَبِينِ التَّاريخِ، يُعيدُ للأمَّةِ أمجَادَهَا، ويُحْيِي لهَا ذِكْرَهَا، ومِنْ أَهَمِّ وسَائِلِ التربيةِ الصحيحةِ: التَّربِيَةُ بالقُدْوَةِ؛ فإنَّ للأفعَالِ تأثيرًا لا يَقِلُّ أَثَرُهُ عنِ الأقوالِ والتوجِيهاتِ؛ ولذا كانَ رسولنا ﷺ يَحْرِصُ علَى هذَا الأُسلُوبِ حتَّى نشَأَ جِيلُ الصَّحَابَةِ كالنُّجُومِ يُقْتَدَى بِهَا في غَيَاهِبِ الصَّحَرَاءِ، فاقْتَدَتْ بِهِمُ الدُّنيَا كُلُّهَا؛ فالشبابُ في عصرِنَا لا يحتاجونَ إلى الخُطبِ الرنانةِ، والمواعظِ الطنانةِ بقدرِ ما يحتاجونَهُ مِن العملِ الصادقِ، والامتثالِ الحيِّ؛ لأنَّ “فاقدَ الشيءِ لا يعطيه”، و”كلّ إناءٍ بمَا فيهِ ينضحُ”،”والنَّاسُ -كمَا يقُولُ الإمَامُ الغَزَالِيُّ- لاَ يَتَعَلَّمُونَ بآذَانِهِمْ بلْ بِعُيُونِهِمْ”؛ وَلِذَا أَوْصَى عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ مُؤَدِّبَ أَوْلَادِهِ فَقَالَ: “لِيَكُنْ أَوَّلُ إِصْلَاحِكَ لِوَلَدِي إِصْلَاحَكَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ عُيُونَهُمْ مَعْقُودَةٌ بِعَيْنِكَ، فَالْحَسَنُ عِنْدَهُمْ مَا صَنَعْتَ، وَالْقَبِيحُ عِنْدَهُمْ مَا تَرَكْتَ”. أ.ه.

وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ قُدْوَةً طَيِّبَةً، أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، قَالَ تَعَالَى:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾، وَكُلَّمَا كَانَ الإنسانُ أَكْثَرَ أَخْلَاقًا، وَأَحْسَنَ سُلُوكًا، وَلَانَتْ كَلِمَتُهُ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ، وَتَخَلَّصَ مِنَ الْفَظَاظَةِ وَالشِّدَّةِ، وَسَامَحَ وَعَفَا كَانَ أَجْدَرَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَإِذَا فَقَدَ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ انْفَضَّ النَّاسُ عَنْهُ، وَسَاءَتْ عِشْرَتُهُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُقْتَدَى بِهِ؛ وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: “اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا” (مُسْلِمٌ) إِرْشَادٌ لِلْآبَاءِ بِمُرَاعَاةِ الْقُدْوَةِ فِي حَيَاتِهِمْ، وَالْهَدَفُ أَنْ يَقْتَدِيَ الْأَهْلُونَ بِهِمْ.

وَمِنَ الْأَخْطَاءِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الكثيرُ، وَتَهْدِمُ التَّرْبِيَةَ مُخَالَفَةُ الْأَفْعَالِ لِلْأَقْوَالِ، وَهَذَا مَا حَذَّرَ مِنْهُ رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ فقالَ: ﴿يَاأَيُّهَا الذِينَ آَمَنُوا لمَ تَقُولونَ مَا لا تَفْعَلونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولوا مَا لا تَفْعَلونَ﴾؛ ولذا الوعيدُ الشديدُ لِمَن خالفَ قولُهُ فعلَهُ، وتناقضت علانيتُهُ وسرَّهُ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ” (البخاري)؛ وللهِ درُّ القائلِ:

يَا أَيهَا الرجلُ الْمعلمُ غَيرَهُ… هلّا لنَفسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيم

ابدأْ بِنَفْسِكَ فانههَا عَن غيهَا… فَإِذا انْتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ

فهناكَ يسمعُ مَا تَقولُ ويشتفى… بالْقَوْلِ مِنْك وينفعُ التَّعْلِيم

لَا تنهَ عَن خُلقٍ وَتَأْتِي مثلَهُ… عَارٌ عَلَيْكَ إِذا فعلتَ عَظِيم

يجبُ أنْ نكونَ نموذجًا وقدوةً لشبابِنَا حتى يكونَ مِن السهلِ عليهم أنْ يحذوا السلوكَ الجيدَ في حياتِهِم، بدلًا مِن تنفيذِ أوامرَ لسلوكياتٍ لا يرونَهَا محققةً على أرضِ الواقعِ، فالأبُّ في نظرِ أبنائِهِ هو ذلك البطلُ الذي يقلدونَهُ في حركاتِهِ وتصرُّفاتِهِ: في التواضعِ والأمانةِ والصدقِ والوفاءِ، وحسنِ العشرةِ، وحسنِ المعاملةِ مع البائعِ ومع الجيرانِ والأرحامِ بل حتى مع الزوجةِ في البيتِ، ومع نوائبِ الدهرِ وأحداثِ الزمانِ وفي كلِّ سلوكياتِهِ كلِّهَا، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا” (الترمذي وحسنه)، وللهِ درُّ القائلِ:

مشَى الطاووسُ يوماً باعوجاجِ … فقلد شكلَ مشيتَهُ بنوهُ

فقال: علامَ تختالون؟ قالوا … بدأتَ بهِ ونحنُ مقلدوهُ

فغيِّرْ سيرَكَ المعوجَّ واعدلْ … فإنْ عدلتَ فنحنُ معدلوهُ

أمَا تعرفُ أبانَا كلَّ فرعٍ … يجارِى في الخُطَى مَن أدبوهُ

وينشأٌ ناشئُ الفتيانِ … على ما كانَ عودهُ أبوهُ

إنَّ تربيةَ الشبابِ بالقدوةِ أمانةٌ عظيمةٌ، ومسؤوليةٌ كبيرةٌ، وضرورةٌ حياتيةٌ، وواجبٌ دينيٌّ، ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً﴾، قِيلَ في الآيةِ: «أظهرُوا مِن أنفسِكُم العباداتِ ليتعلَّمُوا منكُم، ويعتادُوا كعادتِكُم» (تفسير القشيري)؛ فالْمُجْتَمَعُ الآن فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى الْقُدْوَاتِ الصَّالِحَةِ، وهذا يَتَوَجَّبُ إِبْرَازُهَا، وَتَسْلِيطُ الْأَضْوَاءِ عَلَيْهَا؛ لِيُقْتَدَى بِهَا، ولهذا لم يَكْتَفِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَنْ كَانَ خَيْرَ قُدْوَةٍ لِأَصْحَابِهِ بَلْ أَوْصَى صَحَابَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ بِحُسْنِ تَخَيُّرِ الْقُدْوَاتِ مِنْ بَعْدِهِ؛ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ» (الترمذي وحسنه).

العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 31 يناير : الحال أبلغ من المقال الدكتور محروس حفظي

(4) التسامحُ مقصدٌ عظيمٌ ما أحوجَنَا إليهِ في هذا العصرِ:

أمرَنَا دينُنَا بالتسامحِ، والعفوِ عندَ المقدرةِ، وإقالةَ العثرةِ والزلةِ، وقبولَ العذرِ، وغفرانَ الذنبِ، والرفقَ بعبادِ اللهِ، وجعلَ ثمنَ الرفقِ بالآخرينِ الرحمةَ الإلهيةَ التي تنزلُ عليهِ يومَ القيامةِ، قالَ تعالى:﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ﴾، وقال ﷺ:«أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ لَا يَقِيلُ عَثْرَةً وَلَا يَقْبَلُ مَعْذِرَةً وَلَا يَغْفِرُ ذَنْبًا أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ» (الحاكم)، كما رغبَنَا في الرفقِ واللينِ، والبعدِ عن التشددِ حتى لا يصبحُ المجتمعُ عرضةً للتطرفِ والمغالاةِ، فعَنْ ابنِ مسعودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا» (مسلم)؛ وقال ﷺ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (مسلم)؛ ولذا كانَ نبيُّنِا ﷺ متسامِحًا معَ البشرِ، يعفُو عنهُم ويصفحُ، وقدْ سئلَتِ السيدةُ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِهِ ﷺ فَقَالَتْ:«لَمْ يَكُنْ فَاحِشاً وَلاَ مُتَفَحِّشاً وَلاَ صَخَّاباً في الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَجْزِى بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ» (الترمذي وحسنه) .

لقد جعلَ اللهُ خُلُقَ العفوِ مِنْ صفاتِ المتقينَ، فقالَ:﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾، فالسماحةُ تتمثلُ في العفوِ عمَّن أساءَ، وفي صلةِ مَن قطَعَ، وفي إعطاءِ مَن منَع، كما قال ﷺ في وصيتِهِ لعقبةَ: «يَا عُقْبَةُ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ أَخْلَاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ، أَلَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَيُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ فَلْيَصِلْ ذَا رَحِمِهِ» (الحاكم وصححه)، فعلينَا أنْ نتمسَّكَ بِهذهِ الأخلاقِ النبويةِ، ونتسامَحَ فيمَا بينَنَا، ونصفَحَ عمَّنْ أساءَ إلينَا ابتغاءَ مرضاةِ ربِّنَا – عز وجل-، وطلبًا للثوابِ منهُ سبحانَهُ، وإشاعةً للمحبةِ فِي المجتمعِ ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ .

كما ينبغِي على العاقلِ أنْ يكونَ متسامحاً في بيعهِ وشرائهِ، وأنْ يعذرَ المعسرَ بالثمنِ فيؤجلَ إلى وقتِ يسارِهِ؛ لأنَّ هذا يجلبُ له الرحمةُ والخيرُ عاجلاً وآجلاً، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» (البخاري)، ولهذا تعاملَ الجيلُ الأولُ بهذه السماحةِ والسهولةِ فباركَ اللهُ لهُم في مالهِم، فهذا عثمانُ بنُ عفانَ – رضي اللهُ عنه – عندما ابتاعَ حائطاً -حديقةً- مِن رجلٍ فساومَهُ حتى قاومَهُ عن الثمنِ الذي رضي بهِ البائعُ فقال عثمانُ: أرنَا يدكَ، فقال الرجلُ: لا أبيعكَ حتى تزدنِي عشرةَ آلافٍ فزادَهُ عثمانّ ليستوجبَ بشارة سيدنا ﷺ فعن عَطَاء بْنِ فَرُّوخٍ: «أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنْ قَبْضِ مَالِكَ، قَالَ: إِنَّكَ غَبَنْتَنِي فَمَا أَلْقَى مِنَ النَّاسِ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يَلُومُنِي، قَالَ: أَوَ ذَلِكَ يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاخْتَرْ بَيْنَ أَرْضِكَ وَمَالِكَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْخَلَ اللَّهُ الْجَنَّةَ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا» (أحمد)، وتلك السماحةُ هي التي نشرت الإسلامَ في ربوعِ المعمورةِ شرقاً وغرباً؛ إذ دخلَ في هذا الدينِ شعوبٌ بكاملِهَا طواعيةً دونَ إجبارٍ؛ لَمَّا رأوا التسامحَ في أخلاقِ هؤلاء التجارِ، وحسنَ تعاملِهِم، وما عرفَ عنهُم مِن الأمانةِ والوفاءِ بالعهدِ.

ومِن أعظمِ أبوابِ التسامحِ في المعاملاتِ “التيسيرُ على المدينِ المعسرِ” وهو مبدأٌ عظيمٌ جاءَ بهِ الإسلامُ رحمةً بحالِهِ، وتقديرًا لظروفِهِ، وهو مِن أهمِّ أبوابِ التكافلِ الاجتماعِي بينَ أبناءِ المجتمعِ الواحدِ حيثُ يجعلُهُ وحدةً متينةً، تقومُ على الحبِّ والوئامِ والتعاونِ والتراحمِ، فضلاً عمَّا ينتظرُهُ مِن الأجرِ والثوابِ عندَ اللهِ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» (مسلم) .

إنَّ السلامَ مع المجتمعِ كلِّهِ لا يكونُ إلّا بتطهيرِ القلوبِ مِن الغلِّ والحقدِ والبغضاءِ والكراهيةِ، قالَ ربُّنَا: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ» ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» (ابن ماجه)، فما أحوجنَا إلى نشرِ مبادىءِ السلمِ والسلامِ، وقيمِ البناءِ والعمرانِ لا التدميرِ والخرابِ، وهذا ما تقرُّهُ جميعُ الأديانِ السماويةِ، والقيمُ الإنسانيةُ، والمواثيقُ والأعرافُ الدوليةُ.

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

د / محروس رمضان حفظي عبد العال

مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »